[رجاء عالم كاتبة سعودية من مواليد مكة. حصلت على جائزة البوكر العربية عام 2011 عن روايتها “طوق الحمام”، بالمناصفة مع الكاتب المغربي محمد الأشعري عن روايته “القوس والفراشة". صدرت لها ثلاثة عشر رواية بالعربية. ترجمت بعض أعمالها إلى الإنجليزية والإسبانية ولغات أخرى.]
ابتسام عازم: كيف أثر حصولك على جائزة البوكر العربية عام 2011 على حياتك؟
رجاء عالم: لقد حصلت في الماضي على العديد من الجوائز، ولكن ما يميز جائزة البوكر، هو تمويلهم لترجمة الكتاب إلى الإنجليزية وهذا يريح الكاتب بعض الشيء. كما يضعك تحت الضوء. الناشر الأجنبي غالباً ما يُقبل على ترجمة الكتب الناجحة. والحصول على الجائزة بمثابة مؤشر لهذا النجاح ويشجع على شرائه. وهذا مهم للكتاب العربي عامة. وهذه هي أهم ميزة للبوكر، وهي إلقاء الضوء عالمياً على الكتاب العربي.
ابتسام عازم: لقاؤنا يتم في مهرجان الأدب في برلين حيث تحلين كضيفة على المهرجان، ما هو الفرق الذي تلمسينه بين مهرجانات أدبية وقراءات في العالم العربي وبين مثيلاتها في الدول الأوربية؟
رجاء عالم: أشعر في المعارض في الدول الأجنبية، أن هناك تقديراً أكبر للكاتب. على سبيل المثال، عندما حضرت معرض فرانكفورت للكتاب، حل جميع الكتاب ضيوفاً على نفس الفنادق ويتم التعامل معهم جميعاً كمواطنين درجة أولى، فتخصص لهم برامج ثقافية وتغطيات صحفية. وفي كل ذلك نوع من إعادة اعتبار للكاتب عامة، وإهتمام به، دون فروق كبيرة لخلفيات الكتاب الضيوف.
ا. ع.: ألم تشعري بهذا في العالم العربي؟
ر. ع.: لم أجرب العالم العربي، ولم أحضر أي معرض كتاب ككاتبة في العالم العربي سابقاً، إلا في معرض أبو ظبي عند توزيع جائزة البوكر. ويمكنني القول، إنها كانت معاملة رائعة، ليس فقط على مستوى المنظمين، بل على مستوى الجمهور كذلك. لقد فوجئت، لأجد أن لي جمهوراً كبيراً هناك. وكنت أعتقد أن الشيخات لا يعطين الكثير من الإهتمام للفن والأدب، لأكتشف أن العكس هو الصحيح، وأن هناك مجموعات قراءة جادة. وتمت مناقشتي في كتابي، كما لم يناقشني به أي ناقد عربي. عمق في القراءة، والتناول لعوالم الكتاب بصورة مثيرة، وهذا مهم للكاتب. ولم أكن أعتقد، أن هذه الناس موجودة، بسبب موت الكتاب، ليس في العالم العربي فقط، بل في جميع أنحاء العالم. دور النشر تعاني، كما أن الناس تهتم بالثقافة البصرية أكثر من أن تجلس لتقرأ كتاب.
ا.ع.: هل يمكن القول إن لغتك في رواية ”طوق الحمام“ ”منحوتة“؟
ر. ع.: لغتي غير منحوتة ...أنا أكتب ما أسمع في رأسي. عندما أكتب أحتاج لهدوء تام، ولا أحب أن أسمع أي صوت أو حركة من حولي. أشعر وكأنني دخلت في غشية. النص مثل بصمة الأصبع. أعتقد أن أسلوب الكاتب يولد مع الشخص، وهو يختلف بإختلاف البشر. ولكن بعد إنهاء النص، أقوم بالعمل عليه وعلى تهذيبه. الكتابة جعلتني أكثر حساسية في هذا العالم. أشعر بالناس المحيطين بي، دون أن أكون قد عرفت دائماً تفاصيل حياتهم، بمعنى أنني ربما أعرف بعض التفاصيل وأضعها في كتبي، وأضيف عليها من خيالي، لكن الكثيرون يعتقدون أنني أعرف قصص حياتهم بصورة كاملة، وهذا يسبب لي بعض المشاكل مع الاصدقاء والمعارف.
ا. ع.: كيف كانت ردود فعل عائلتك على ممارستك الكتابة الأدبية؟
ر. ع.: أبي كان فخوراً بي. تعرفين، في مكة إسم المرأة لا يُذكر. ولكن أنا نشرت من البداية بإسمي الحقيقي، ولم يكن عند أبي أي حرج بذلك. احس بأن الكتابة شيء شخصي، وعندما التقي بأناس جدد لا أقدم نفسي ككاتبة. عندما بدأت الكتابة والنشر كانت هناك الكثير من النقد على كتاباتي، إضافة إلى اعتقادهم أنني رجل. وبعدها قالوا، إنه لا بد أن عندي مشكلة أو أن كتاباتي تأتي من البرج العاجي وأنني أكتب لنخبة النخبة وهذا طبعاً كله غير صحيح. بالنسبة لي عندي رسالة داخلي وأريد أن اوصلها…
ا. ع.: أي رسالة؟
ر. ع.: لا أدري بالضبط، ولكن على سبيل المثال، أنا تربيت في مكة وأحب هذه المدينة كثيراً. أحب هذه الأسطورة التي إسمها مكة، أنها نجحت أن تكون مدينة الله ومدينتنا نحن البشر. هذا المركز الذي يستطيع العالم كله الدوران حوله. الوعي بهذه المركزية للكون هو ما أنا مشغولة به. ليس قضية الإنسان المعذب فقط، بل البحث عن المطلق فينا كبشر. وهذا يشغل كل كتاباتي.
ا. ع.: ما الذي تقصدينه بـ “المطلق“ فينا؟
ر. ع.: … الصفاء النقاء... تخيلي نفسك أين سوف تكونين بعد الموت؟ من غير الممكن أن ينتهي ويبيد كل هذا التحقق الذي نحن عليه. لا يمكن أن ندخل ونخرج من الباب دون أن نكون مرة آخرى...
ا. ع.: بعض الكتاب يتحدثون عن نوبات من الشك تنتابهم، حتى بعد كتابة أعمال جيدة، إلى أي مدى تشعرين أنت بهذا الشك؟
ر. ع.: الشك والحيرة هي أمور مهمة وأساسية للتجديد والإبداع. بعد رواية “طوق الحمام”، وهذا أكثر من عاشر كتاب لي، شعرت بنوع من الحيرة، ساءلت ماذا الآن؟ الشك في الحياة والحياة الأبداعية مهم جداً. عندما تصلين لوضع تعتقدين فيه، أن كل شيء إكتمل، هذا يعني أن الحياة والتطور الإبداعي قد إنتهى.
ا. ع.: ماذا عن دراستك؟ كيف تؤثر على كتاباتك؟
ر. ع.: لقد درست الأدب الإنجليزي. كل شيء له تأثير. جلستي معك مثلاً لها أيضاً تأثير. أنت لا تشعرين بهذه التأثيرات دائماً بصورة مباشرة عندما تكتبين. أما بالنسبة لحرفة الكتابة، فأخذتها من دراسة الأدب. الموهبة مهمة وأساسية ولكنها لا تكفي ودراسة الأدب تساعد على إتقان الحرفة. وما يغذيني فكرياً، هي القراءة وقراءة آداب ثقافات أخرى.
ا.ع.: ما مدى تأثير فنون أخرى عليك؟
ر. ع.: عمل فني ما يمكن أن يصنع كتاباً عندي. كل الإبداع البشري محفز قوي للإبداع عندك. الكتابة فيها نوع من إعادة صياغة واستقاء من نفس المنبع، ولكن كلٌّ يقوم بذلك على طريقته. الإنسانية هي الأساس وعلى الإنسان التعلم والتأثر حتى من الناس البسطاء الذين حولنا.
ا. ع.: يقال إن الأزمات تقوي شوكة الإنسان، ما الذي قوى شوكتك؟
ر. ع.: الفيضان الذي حصل عام 2011 والذي خسرنا به أملاكنا وبيوتنا وسياراتنا في مكة. من ناحية خسارة مادية فادحة. ومن ناحية ثانية، تصبحين حرة من الأمور المادية… وهذا مهم. ولدت لعائلة ميسورة وكبيرة ولم يكن مطلوباً مني شيء وكل شيء كان متوفراً.قرار الخروج من هذا العالم والغاء الخلفية المريحة، هذا بالنسبة لي شيء مهم وكبير. دون الصعوبات، لا يمكننا أن نكون من نحن.
ا. ع.: ماذا تعني لك ذاكرة المدن؟
ر.ع.: الكيان البشري هو من محتوى الذاكرة. وكلما تصفين ذاتك، يمكنك أخذ أكثر من المكتبة البشرية. أتمنى أن أستطيع أن أكون مرةً هذه الذاكرة الكونية... أتمنى أنه يمكنني الإتصال مرة بها. لا يبدأ الكاتب من الصفر، هو يبني على ذاكرة الآخرين. مدينة مكة، لوحدها لها ذاكرتها الكلية. انا متأكدة أن في داخلنا الذاكرة الكونية، وفي لحظات صفاء معينة نخترق ذلك اللاوعي ونكون في إتصال مع هذه الذاكرة. وهذا ما أدرب نفسي عليه، أي أن يكون الإختراق سلساً أكثر.
ا. ع.: بالحديث عن الحياة التي عشتها بالسعودية وحياتك اليوم بين السعودية وباريس، حيث تقيمين. كيف ترين السعودية ووضع البلد؟
ر. ع.: يوجد تغيرات كبيرة وجذرية ليس فقط بالسعودية ولكن في كل العالم. مثلاً، اذا نظرت لبنات أخي اللواتي هن بعمر الثانية عشرة والثالثة عشر، من الصعب القول إنهن سعوديات فقط، مفهوم الحدود إنتهى. كل هذه الامور الشكلية، كالقول إن المرأة لا تقود وتلبس عباءة كل هذه أمور شكلية وغير مهمة، الأهم أنه يوجد اتصال اساسي مع العالم. بما معناه، أنا رجاء في باريس أو في السعودية تحت العباية نفس المرأة واتصالي بالعالم هو نفسه.
ا. ع.: ماذا تريدين أن يتغير بالنسبة لك في السعودية؟
ر.ع.: أريد أن يُنظر إلي كإنسان، دون أن يُنظر إلي كإمرأة فقط. أن لا يشعر الرجل أن المرأة ملكه وهذا ليس فقط في السعودية بل في أماكن أخرى كذلك...هذا هو حلمي. أي إنسان، هو ليس امتداداً لأي شخص آخر، ليس في الفكر ولا في الجسد وهذا ما أتمناه أن يتحقق في كل مكان.
ا. ع.: ما هي الأسئلة التي تزعجك؟
ر. ع.: الأسئلة المتعلقة بمنع قيادة المرأة للسيارة في السعودية وأسئلة حول الحجاب... كما أن الكثير من الصحفيين الأجانب يسألوني عن دوري في الربيع العربي؟ أي دور سيكون لي وأنا في باريس! نوع من الكليشيهات التي تخنق الشخص. لا يسألونك عن الوضع والمعاناة التي تعيشينها أنت.
ا. ع.: إذاً، ما الذي عانيته ؟
ر.ع.: من ماذا لم اعاني؟ مجرد الولادة في عالم والعيش في عالم آخر هذا معاناة. جسمك في مكان وروحك وقراءتك في عالم آخر. وانت لا تنتمين لأحد، لا للعالم الذي تقرأين عنه ولا للعالم الذي تعيشين به. أنت تصنعين نفسك. هناك أشياء تتوفر لك ولكن كل شيء يتغير داخلك وعليك إعادة طرح الأمور من جديد.
[أجريت هذه المقابلة على هامش مهرجان الأدب في العاصمة الألمانية برلين لعام 2011.]